تطرح الحلقة موضوع واحد حول المثليين, وهو: "هل المثلية مكتسبة أم فطرية؟"، غير أنّنا نجد أنّ الأسئلة التي طرحها مقدم البرنامج، مالك مكتبي، لم تكن في سياق هذا المحور أو تحاول طرح منهجيّة وعلمية ووافية تجيب عن هذا السؤال , سلبيّة كانت الإجابة عليه أم إيجابيّة, بقدر ما كانت الأسئلة تعامل المثليين والضيوف- الذين لم يكونوا مثليين كما سنشرح لاحقاً في هذه المقالة- ككائنات لا غريبة عن المجتمع فحسب، ولكنّ تمّ التعامل معهم كأنّ العملية الجنسية بحدّ ذاتها مركزاً لكيانهم ووجودهم ومحورا لحياتهم، من هنا تمّ اختزال المثلية لحياة جنسية فحسب. أقول العملية الجنسية لا الميول الجنسي. وهذا خلل مهين وعنصري في اختزال المثليين إلى كائنات ناشطة جنسياً ولا تتعامل معهم، ببساطة، كبشر لهم حيوات واهتمامات لا بل إنّ تهميش المجتمع لهم قد جعل العديد منهم نشطاء على الساحتين السياسية والحقوقية.

وهنا نستغرب مقالة ليال حدّاد في جريدة الأخبار حيث تقول أنّ الحلقة كانت بعيدة كلّ البعد عن التعامل مع موضوع المثلية بشكل "فضائحي" لا بل تقول أن مكتبي تعامل مع المثليين بشكل "عميق":

"قد تكون حلقة أول من أمس من «أحمر بالخط العريض» على أل بي سي من المرات النادرة التي يفتح فيها الإعلام العربي قضية المثلية الجنسية بهذه الجرأة وبهذا التعمّق خارج الإطار الاستعراضي والفضائحي."

كان تعامل حلقة أحمر بالخط العريض تماما عكس ما تقول حدّاد. لم يكن في الحلقة حواراً أكثر منه استجواباً وتحقيقاً ومسائلة ومحاسبة وعتابا ونستطيع بسهولة استشفاف النمطيّة والتسطيحية لدى أسئلة مكتبي التي لا يمكن وصفها سوى بالترويجية والاستعراضية لإرضاء جمهور ينبذ المثليين أصلا رغم جهلهم بهم. وهنا نسأل السؤال التالي: هل يمكن لأي قناة عربية, والتي تتخذ من الجمهور ومشاهديها مصدرا لرزقها، حيث إن خسرتهم خسرت التمويل السعودي لها ومشاهديها الخليجيين والعرب على حد سواء، فلا يظنن احد أن المجتمع اللبناني أكثر انفتاحا من المجتمعات العربية المجاورة, العنصرية نفسها تجاه الأقليّات, السلطوية الذكورية نفسها تجاه النساء, والعنصرية نفسها تجاه المثليين.

إذن يعلم مكتبي مسبقا انه لا يستطيع سوى أن يكون منحازا، فلم بحث موضوعا لا يبحث من أصله في إعلام ممول وغير مستقل؟ بالطبع، ليزيد نسبة مشاهديه، اذن لقد تمّ استخدام المثليين كوسيلة ترويجيّة للبرنامج، لقد سقط البرنامج، وسقطت الـ ال بي سي.

سأتناول بالتفصيل أمثلة عن لا منهجية مكتبي وعنصريته في تناوله للمثلية.

أولا كان مكتبي منحازا ولم يسمح للحوار أن يذهب مكانا لم يرده هو بالأصل، نجد ذلك في مناسبات كثيرة أحدها عندما كانت الطبيبة تتحدّث عن العلاج التوجيهيّ للمثليين إن لم يستطيعوا التكيّف مع المجتمع، رغم أنني أعتقد أن العلاج يجب أن يمارس لمن لا يتكيف مع وجود المثليين أصلاً، فمن قال أنّ للمثليين خاصية عدم التكيف مع المجتمع؟ أوليس رهاب المثلية دليلا حاسما وقاطعا لعدم قدرة المجتمع للتكيف مع المثليين؟ لمن العلاج التوجيهي اذن؟ أعتقد أن الطبيبة ذات نوايا حسنة لكنّ قلما تفيد النوايا الحسنة بحد ذاتها في مساعدة المعنيين بالأمر، لم تكن الطبيبة أخصائية أو احترافية في التعامل مع موضوع المثليين. وسنشرح ذلك لاحقاً هنا في أمثلة.

نعود إلى مكتبي, عندما أرادت الطبيبة شرح التأهيل والعلاج التوجيهي قال لها "سوف نتحدث عن إعادة التأهيل والعلاج بآخر الحلقة" في حين أنّه لم يفعل، مع أنّ الطبيبة قالت وبشكل واضح أنّ المثلية ليست مرضا حاسمة الجدل حول وجوب معالجة المثليين لكونهم مرضى. فرغم مفصلية وأهميّة هذه النقطة بالذات والتي كان من الممكن الاستفاضة بها، تجاهل مكتبي هذه النقطة تماما وذهب ليسأل هناء، الضيفة من السعودية، لم طلّقت زوجها.

نقطة أخرى مهمّة تجاهل مكتبي الحديث عنها وقد تناولتها الطبيبة في قولها أنّ الدراسات تشير إلى أن التوجه الجنسي ليس منمطا، حيث ليس بالضرورة أن يكون الذكر منجذبا إلى الأنثى أو العكس صحيح، من هنا فإن المثليين هم أشخاص لهم وظائف جنسية واحدة إنّما بميول جنسية مختلفة، وهذا الميول، لا قاعدة له لتشذ. هذه النقطة من شأنها أن تدحض كل نقاش يتناول المثليين كأشخاص ضدّ الطبيعة، غير أنّ مكتبي فضل أن يسأل الضيفة من السعودية إن كان سبب طلاقها من زوجها له علاقة بتجارب سابقة مع النساء.

ليس هناك من شكّ في الأمر, مكتبي لم يكن يريد مناقشة المثلية بصدق وأمانة، بل استخدم جميع الأسئلة النمطيّة والعنصرية في زيادة الجهل والعنصرية تجاهها.

لنبحث حواره مع هناء, أجابت الأخيرة بكل وضوح عن أسئلته حول طلاقها مع زوجها أنّ الطلاق لا دخل له بتجاربها الجنسية السابقة مع النساء، بل كانت علاقتها مع زوجها عن "اختيار وعشق وممتازة" لكنها لم تستمر لـ"سوء التفاهم".

أصرّ مكتبي على معرفة أسباب الطلاق: "ممكن اعرف سبب الطلاق أم هي أسباب خاصة؟"

وهنا نسأل، أليس السؤال " ما سبب طلاقكِ؟" بحد ذاته خاص مهما كانت الأسباب؟ فالإجابة عليه حتما ستكون خاصة، لكنّ هذا السؤال يعكس تماما لا احترافية مكتبي في إلقاء السؤال من أصله. تخرج العبارات منه دون معان،إنّ هذا الفشل كمقدّم في طرح أيّ سؤال منطقيّ سيعكس بالضرورة تناوله لأي موضوع حسّاس وجدليّ كموضوع المثليّة بفشل. إذن نحن أمام مقدم منحاز لضمان مموليه الخليجيين ولكسب جمهور أوسع، ونحن أمام مقدّم لا يفقه أصول طرح السؤال.

لنعود إلى هناء، حاول مكتبي استدراجها لتقول أن علاقاتها السابقة مع النساء سبب طلاقها من زوجها كونها لا "تستطيع ربما أن تُشعر الرجل بلذة كاملة معها" ولهذا السبب كان زوجها يخونها حسب تحليل مكتبي طبعا، يعني أصبح النقاش غريب جدا الحقيقة، المشكلة أولا هي التعامل مع هناء على أنها مثلية في الوقت الذي تقول فيه أنها ليست مثلية رغم ممارستها الجنس مع بنات جنسها، ثانيا، الطريقة التي تُعاملُ بها هناء ليست حوارًا وإنما استجواباُ كي يأخذ منها ما يشدّ ويرضي الجمهور المتعطش لأيّ جملة حول حياة خاصّة بينها وبين زوجها أو بينها وبين النساء.

ليكن الأمر واضحا لدى كلّ قارئ ومشاهد لتلك الحلقة، لم تكن بين جميع الضيوف الأربع بالإضافة إلى التقرير عن الشاب المصري مثلية سوى ضاوية والتي أخذت من وقت البرنامج القليل القليل رغم أنّ مشاركتها كانت فخر لكل مثلية ومثلي.

أقول لم يأتي مالك بمثلية غير ضاوية، بل أتى بأشخاص مارسوا الجنس مع نفس الجنس وشتان ما بين الأمرين. هناء مارست الجنس مع النساء فقط، وهي توضح أن ما حدث وما كانت تريده من النساء هو الجنس فقط في تعذّر حصولها على الذكر، وهذا لا يمت بصلة بالمثلية بتاتاً وجلب مكتبي لضيوف آخرين غير مثليين على أساس أنهم مثليين فقط لممارستهم الجنس مع نفس الجنس هو جهل مريع وتشويه للمثلية وانعدام الأمانة في طرح موضوع المثلية من جهة أخرى، وهنا نجح مكتبي عبر هذا الخلل الهائل في طرحه للمثلية أن يعزّز الصورة النمطية المشوّهة أصلاً عن المثليين.

إنّ استضافة المصريين والسعودية لم يكن سوى عبارة عن مساعدة كل ما لا يفهم المثلية أن لا يفهمها مطلقاً ويدينها دوماُ ويؤكد على صورتهم الجاهلة بها. مكتبي قد ضرّ القضية أكثر ممّا يعتقد بكثير، ولن يغفر له التاريخ ذلك في مسيرته الإعلاميّة.

إذن هناك شرخ هائل في الحلقة من الأساس، فالحلقة التي يفترض أن تكون حول المثليين لم تكن سوى عبارة عن حلقة مكونة من أشخاص مارسوا الجنس مع بنات وأولاد جنسهم فحسب.

هناء كانت مركز الحلقة كونها ذات قصص "جذابة"، والطبيبة لم يسمح لها بالحديث مطولا عن الدراسات التي تؤكد لا صحية ومرض أي حديث يقول أن المثلية "شذوذ" أو "مرض".

إن تصميم مكتبي على جعل كل من هناء وعمر من مصر مثليين هو المرض في الحلقة كلّها. لكم مثالا آخر:

تحدثت هناء عن زوجها وعن كونه خائنا وكان هذا سبب طلاقهما, قالت أنّ "الرجال كلهم خونة وهذه طبيعتهم في رأيي"، الأمر الذي نسمعه من نساء كثر كانت لهنّ تجارب سيئة مع الرجال. هنا يصمت مكتبي وكأنه فكّ لغز هناء حيث قال: "أنت تقولين الرجل يعني خائن، يعني لديك صورة سلبية عن الرجل،" صفقوا جميعا، اذن هناء مثلية!

إنّ كل الحوار ما بين مالك وهناء هو حول النقطة التالية:هناء تقول أنها ليست مثلية، بل أنها مارست الجنس مع الإناث للجنس فقط، وتؤكد على أنها لن تتخلى عن الرجل أبدا، وتعتبره كائن جميل وهناء تقول أن الرجال كلهم خونة وتحب خيانتهم. ومالك في الجهة الثانية يقول أنها مثلية، ويصر على سؤالها الأسئلة التالية:

  1. أنت طلقت زوجك أم هو فعل؟
  2. ما سبب الطلاق؟ أم هو سبب خاص؟
  3. هل تريدين رجل أم امرأة؟
  4. هل حددت هويتك الجنسية؟
  5. هل أنت مكبوتة لذلك تمارسين الجنس مع النساء؟

هنا تتدخّل الطبيبة لتعلّق على "حالة" هناء وتقول أن هناء ربما لديها حاجات جنسية "أكثر من المعدل" الأمر الذي أجده مضحكا، هل هناك معدلا للرغبة؟

تحدّثت الطبيبة عن عقدة الأوديب وليس مما قالته كان غريبا على أي شخص مطلّع. هنا يأتي دور مكتبي المحلل النفسي في استجواب عمر من مصر:

  1. كيف علاقتك مع أبوك؟
  2. كيف علاقتك مع امك؟
  3. هل بتعتبر انت وامك واحد؟ هنا الحقيقة ضحكت، ذالك أن الطبيبة قالت أنه في حالة المثليين الذكور تجدين أن الأطفال الذكور لديهم "انصهار تام" مع الأم ويبحثون عن الأب من هنا يبحثون عن شريك ذكر. وكان سؤال مكتبي أتى كمحاولة لفكّ لغز "المثلي" وراء عمر الذي شرح بوضوح رأيه المندّد بالمثلية.

عمر عمره 20 سنة من مصر يقول أن والده عصبي جدا وقاس وغائب دوما عن البيت. يضيف عمر انه بسن 14 كانت هناك ملامسات من ذكور، ويقول انه كان ابتزازا ولم يكن راضيا عن الموضوع. سأله مكتبي عن علاقته بالفتيات، يجيب عمر: "بموت فيهم، بحبهم جدا عفكرة". ويقول عمر، أن اصطحابه "الوحشين" هم السبب وراء تطور "ميوله" نحو الذكور.

تجدر الإشارة إلى أنّ عبارة "تطوّر الميول" هي عبارة مكتبي وقد استخدمها عمر في إجايته.

يتابع مكتبي استجوابه لعمر ويسأله: "ايمتا عمر حددت ميولك الجنسية تجاه الرجال؟"

أولاً، هل تحدد الميول الجنسية أصلا؟ إن في هذا افتراض على أنّ المثليين وحدهم، إن أسلمنا أن عمر مثلي أصلا، يحددون مسبقاً ميولهم الجنسية ومن هنا هم ليسوا "طبيعيين" كالغيريين الذين يولدون دونما تحديد مسبق للميول الجنسية. إنّ هذا السؤال هو دليل آخر لجهل وعنصرية مكتبي تجاه صحيّة وجود المثليين. ثانيا، هل هذا سؤال يسأل إن كان عمر يقول وبكل وضوح انه ليس مثليا بل أن أصحابه "الوحشين" هم من ادخلوه إلى ممارسات جنسية بين بعضهم؟

عمر أوضح أنه يريد الرجوع إلى "طريق الصح"، فكيف يُسأل متى حدّد ميوله الجنسية؟ مكتبي ليس مهتم من الأساس لما يقوله الضيوف, لديه أجندة من الحلقة ولديه أجوبة يريد الحصول عليها من شاب في 20 بغض النظر عما يقوله هذا الأخير. لم تشهد الـ ال بي سي فاشلا كمكتبي إعلاميا.

وفي سؤال لمكتبي الذي يعتبر إدانة واضحة للمثليين كونهم "غير أسوياء" يسأل عمر السؤال التالي:

"بيلفتك الذكر المغاير السوي ولا المثلي؟"

يعني المثليين بالنسبة إلى مكتبي وبكل صراحة ليسوا أسوياء. هنا أصبح كلّ ما سبق واضحاً أكثر للعيان.

و في مثال يعكس مدى اهتمام مكتبي بالعامل الجنسي فحسب في تناوله لموضوع المثلية نراه في سؤاله لعمر الذي اتصل من قطر وقال لمكتبي انه مثلي وبشكل علني، وباشر يخبره انه قال لوالديه بكل صراحة أنه على علاقة مع شخص لأكثر من سنة، هنا يسأله مكتبي سؤالاً واحداً :"يعني كانت علاقتك معو جنسية كاملة"؟

أخيراً, كانت مداخلة ضاوية من الجزائر، الوحيدة التي تعتبر أنها كانت حول المثلية. ففي إجابة لها لسؤال مكتبي "كيف تغوي امرأة امرأة؟" أجابت بعفوية صادقة أنهّ ليس إغواء، بل انجذاب.

وهنا يسألها سؤال لم أفهمه الحقيقة لغبائه وعذرا لاستخدام هذه اللغة لكن لا يمكن وصفه بشكل آخر حيث يسألها:

"لكِ عدة علاقات ليه ما استقريتي بعلاقة وحدة؟"

أليست هذه حال الكثير من الشابات والشبان؟ لا أفهم لم يعامل المثليين كحالة خاصة تواجههم صعوبات خاصة؟ وهنا أرفض بشدّة الطريقة التي عوملت بها ضاوية عندما مرّت الكاميرا عليها ببطء تتفحصها من فوق إلى تحت وكأنها مخلوق يصعب تفسيره، كيف تجرؤون؟

لم يعامل الضيوف بالطريقة نفسها التي عوملت بها ضاوية من قبل الكاميرا، فقط لانها الوحيدة المثلية في الحلقة.

وهنا أتى سؤال مشمئزّ من مكتبي مع تصاعد الكاميرا ببطء على جسد ضاوية: "اديش عندك انوثة؟"

الكثير الكثير ليقال عن عنصرية مكتبي في تناوله لموضوع المثليين، الأمر الذي نعرف، نحن المثليين والمغايرين والثنائيين واللاجندريين أن معركتنا ليس حكره على المجتمعات فحسب، بل مع القانون والإعلام العربي كلّه دون استثناء.

رزان غزاوي

0 comments